الشيخ بن ناصر بن شهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الشيخ بن ناصر بن شهرة
واندلاع مقاومته للاحتلال الفرنسي بالجنوب الشرقي للجزائر05سبتمبر1851
هو ابن ناصر واسم أبیه ابن شهرة ابن فرحات، ولد سنة 1804 بقریة المخرق، ینحدر من عرش أولاد سي عیسى من فرقة المعامرة المنتمیة بدورها إلى قبیلة الأرباع الكبرى، وهو من عائلة توارثت المجد والقیادة، تربى في وسط یتفاخر فیه الناس بالشهامة والبطولة والفروسیة، فنشأ فارسا شجاعا واشتهر جده فرحات بالشجاعة والكرم مما أهله لأن يكون قائدا على قبائل الأرباع كلها سنة .1846
حفظ القرآن الكریم منذ صغر سنه على عادة أهله، وتعلم مبادئ الفقه عل ید مشایخ الطریقة القادریة ومن أبرزهم الشیخ أحمد الشاوي بالأغواط، مما جعل ابن ناصر خصما للطریقة التجانیة و أتباعها.
تزوج أول مرة بنت السید أحمد بن سالم سلطان مدینة الأغواط قبل الاحتلال، ورزق ببنت ولما جاء الاحتلال الفرنسي، رفض الخضوع له وتوجه إلى أعماق الصحراء فلم توافق زوجته على الذهاب معه إلى الصحراء فطلقها، وتوفیت ابنته منها، وأثناء جهاده في الصحراء ضد الاحتلال الفرنسي منذ سنة 1851 توجه إلى مدینة ورقلة واتفق مع سلطانها على الكفاح، وتزوج ابنته المسماة الیاقوت من فرقة المخادمة بورقلة وقد أنجبت له ولدین هما محمد وبن شهرة، وبعد وفاة الیاقوت الخدمیة تزوج ابن ناصر بالمرابطة نوة أخت السید مولاي عبد القادر إدریسي التي أنجبت له ولدین أیضا، هما فرحات الذي توفي بالأغواط بعد رجوعه من الشام وخلف له ولد اسمه أحمد بن فرحات وبنتا سمیت بالزهرة.
لقد ظل ابن ناصر بن شھرة ثائرا منذ أواخر سنة 1846 م یحث سكان الصحراء على الجهاد ضد العدو و لم تلن له قناة،" و كان لا یترك فرصة ضعف للعدو إلا واستغلها ضده " كان ینتقل كالبرق من شرق الصحراء إلى غربها و وسطها " .
شارك مع شریف ورقلة محمد بن عبد الله وكان ملازما له كما شارك في صفوف الثائرین من أولاد سیدي الشیخ وبطلا من أبطال مقاومة بوشوشة وثورة المقراني، وصفه الفرنسیون "بالمتعصب " و"عدونا الذي لا یلین" ، فهو بحق مدرسة حربیة، تكون في مدرسة الأمیر عبد القادر حیث كان من أحسن فرسانه، وكان له الأثر الكبیر على الثوار في نشر الحماس والعاطفة الدینیة وحث على حمل السلاح، لم تغره المساومات ولا العروض كان دائما في الصفوف الأولى أثناء المعارك متمیزا ببرنوسه الأحمر، یعد من الشاهدین على أحداث القرن التاسع عشر في الجزائر إذ بدأ نضاله في صفوف جیش الأمیر وظل على مبدئه وثورته إلى الثمانیات، كما عاصر مقاومة الشيخ بوعمامة وناصره،
دام كفاحه أكثر من ربع قرن ضد الاستعمار الفرنسي من سنة1851 إلى سنة 1875 ، وقد وجد التأیید في الجنوب التونسي بصحراء الجرید وبخاصة لدى الزاویة الرحمانیة " نفطه " والتي كانت ملجأ للثوار الجزائریین والفارین بدینهم من الاستعمار وظل یناوش الاستعمار من هناك على الحدود مدة طویلة من الزمن، یقول لوسرین:" في نفطه، كان ابن ناصر بن شهرة الذي خلف أباه كأغا على الأرباع سنة 1846 یقوم منذ سنة 1851 م بحرب مستمرة ضدنا في الصحراء الشرقیة، و لم یترك سنة واحدة لم یهاجمنا فیها أو قبائلنا التي رضخت لنا ".
ساهم بشكل كبیر في الكثیر من المقاومات والانتفاضات كمقاومة الشریف محمد بن عبد اللهب ورقلة وبوشوشة في الصحراء و مقاومة أولاد سیدي الشیخ وثورة المقراني، جاب كل الصحراء من الشرق إلى الغرب قاصدا بعث الهمم والحث على الجهاد، فشكل بذلك أول قیادة جماعیة للمقاومة، و كان بحق الرابطة الحقیقیة و همزة وصل بین كل الثورات و الانتفاضات التي أشتعل فتیلها ابتداء من خمسینات القرن التاسع عشر.
بداية المقاومة:
عقد المجاهدون بتاریخ 23 جانفي 1853 مجلس حرب بالرویسات في ورقلة وذلك بعد التطورات التي حصلت ، وتم إعداد خطة جدیدة تهدف إلى استعادة مدینة الأغواط بعد جمع وتجنید المجاهدین وتشكلت ثلاث فصائل هي:
- الفصيلة الأولى بقیادة الشیخ ابن ناصر بن شهرة توجهت نحو جبل بوكحيل يوم 13 مارس 1853 لكسب تايید قبائل المنطقة و معاقبة الموالین لفرنسا .
- الفصيلة الثانیة بقیادة الشیخ الشریف محمد بن عبد الله اتجهت نحو قصر للمایة غرب الأغواط قصد جمع كلمة سكان المنطقة والدعوة إلى الجهاد .
- الفصيلة الثالثة بقیادة الشیخ التلي بالأكحل قصدت مسعد جنوب الجلفة أین تمت الإغارة على القبائل الموالیة لفرنسا و الدعوة إلى الجهاد في المقابل لما أحس الفرنسیون بهذه التحركات المكثفة بدءوا في جمع أعوانهم من القومیة لتكون الحرب هذه المرة حرب البرانس و كان على رأس القومیة العمیل "حمزة " ، و كان بالأحرش أغا الجلفة على رأس بعض قبائل الوسط، و من الشرق مجموعة قیادة مع متابعة و مساندة قریبة من قادة عسكریین أمثال " دوبراي ودوریو" .
ثم التقى الجمیع في تاجرونة 14 سبتمبر المصادف لعید النحر في محاولة ثانیة لدخول مدینة الأغواط، وفي طریقهم هاجموا عدة مناطق وخاضوا عدة معارك وقد أستطاع المقاومون في بدایة الأمر الانتصار على العدد الهائل من القوات الفرنسیة وكادوا أن یدخلوا المدینة لولا وصول نجدات من القوات الفرنسیة المتواجدة في حدود المنطقة.
وأمام هذه الحشود الهائلة اضطر القائد ابن ناصر ومن معه الانسحاب إلى ورقلة مرة أخرى حیث تحصنوا بواحة نقوسه والرویسات و لحق بهم العمیل حمزة في محاولة ثانیة للقضاء علیهم، ودارت بینهما عدة معارك انتهت بإصابة العمیل حمزة الموالي لفرنسا كما أصیب القائد ابن ناصر بن شهرة واضطر المقاومون الانسحاب ثانية إلى واد ریغ ثم إلى نفطه بتونس أین حظي برعایة الزاویة الرحمانیة وبعض أعراش المنطقة.
وبتونس التقى القائد ابن شهرة بالكثیر من اللاجئین الجزائریین في الزاویة الرحمانیة بنفطه فمتن علاقاته مع هؤلاء اللاجئین واخذ هناك یقودهم إلى شن غارات على الأعوان الفرنسیین داخل الحدود الجزائریة .
وعندما إندلعت ثورة أولاد سیدي الشیخ عام 1864 م عاد ابن شهرة إلى الجزائر متخفیا ودخل إلى ورقلة واتصل بسي الاعلى یوم 6 أوت في عین طاقین إو شترك معه في المعارك التي دارت بالمنطقة ووصل یوم 21 أكتوبر إلى واد النساء جنوب بریزینة ومن هناك واصل سیره وعمله مع ثوار أولاد سیدي الشیخ إلى أن وصلوا إلى سیدي الحاج الدین في صحراء الساورة مارین بواد زرقون ومحیقین، والقیمین، وتاجرونة، والمایدة والتقوا جمیعا في وادي میزاب قرب بني يزقن في متلیلي.
ولكي تضعفهم القوات الفرنسیة مادیا عمدت إلى حجز كل قوافل بني میزاب بین الشمال والجنوب حتى تسلط علیهم وعلى المؤیدین لهم حرب التجویع وذلك خلال شهر نوفمبر من نفس العام .
وفي خلال عام 1869 رجع ابن شهرة مرة أخرى بصحبة سي الاعلى، وفي ربیع العام الموالي توجها معا بصحبة سي الزبیر وسي أحمد وغیرهما على المنیعة وعین صالح لتجنید الناس إلى الثورة من توات، والشعانبة، والطوارق وفي سنة 1869 وصلت حركتم إلى عین ماضي مركز التیجانیین، واقتحم سي الاعلى وابن عمه سي قدور القریة التي تعتبر المحج الدیني للتجانیین، فاظهر شیخها میله لهما مما دفع بالسلطات االفرنسیة إلى اعتقاله یوم 10 فیفري من نفس العام مع حوالي ثمانیة عشر رجلا من زعماء القریة ونفیهم إلى بولوغین بالعاصمة ثم إلى بوردو بفرنسا.
وعندما بدأ الشریف بوشوشة حركته في سنة 1869 اتصل به ابن شهرة وعملا معا على التنسیق جهودهما في میدان الكفاح فالتقيا في قرى المحرق وقنیفید .
وقد عین بوشوشة ابن ناصر بن شهرة خلیفة على تقرت بعد أن سیطر علیها وبقي بها حتى علم باتجاه " بولخراص بن قانة " إلیها فغادرها یوم 16 أكتوبر بإشارة من" بوشمال بن قوبي" وهو أحد أعیان مدینة تقرت، واتجه نحو مكان تواجد بوشوشة .
شارك ابن ناصر بن شهرة في معركة یوم 09 جانفي 1872 رفقة المقرانیین ضد القوات الفرنسیة ولكن لم یكتب لها النصر وبفضل ابن ناصر بن شهرة تمكن المقرانیین من الدخول إلى تونس ومنها اتصلوا بالباي الذي اشترط علیهم تحت ضغط فرنسا أن یتفرقوا في البلاد وأن لا یسكنوا جهة الحدود الجزائریة منشورات متحف المجاهد تيسمسيلت.
نهایة المقاومة والنفي من تونس :
بإلقاء القبض على قائد الثورة " بومزراق " في ناحیة الرویسات حیث لم یهتد إلى ركب المقرانیین بعدما ذهب إلى البحث عن الماء في أواخر جانفي 1872 ثم نفي إلى جزیرة " كالید ونیا الجدیدة وإلقاء القبض على بوشوشة وتنفیذ حكم الإعدام فیه بمعسكر الزیتون بقسنطینة يوم 29 جوان 1875 بالاضافة الى استیلاء الجیش الفرنسي على مدینة تقرت وورقلة یئس الناس من نجاح الثورة وتفرق المجاهدون فمنهم من لجأ إلى تونس ومنهم من لجأ إلى طرابلس وبقي ابن ناصر بن شهرة وحده یقوم ببعض المناوشات یشنها على الحدود من الجرید ونفزاوة بتونس ، وبتاریخ 02 جوان 1875 أرغمه باي تونس على الرحیل تحت ضغوط فرنسیة فسافر إلى بیروت ومنها إلى دمشق حیث التحق بالأمیر عبد القادر فتكونت بینهما علاقات حمیمة وصداقة دائمة وقد تدخل الأمیر عبد القادر لصالحه مرتین الأولى لدى خیر الدین التونسي یزكیه في وكالة من أجل تصفیة أملاكه التي خلفها بتونس والثانية فكان ممثلا أیضا في رسالة وجهه الأمیر عبد القادر إلى مصطفى ابن إسماعیل وقد لازم الشیخ ابن ناصر بن شهرة الأمیر عبد القادر بدمشق إلى أن توفي هذا الأخیر سنة 1883 ثم لحق به ابن ناصر إلى الرفیق الأعلى في السنة الموالیة 1884 ودفن هناك بدمشق وقد ترك زوجته " نوة " 30 سنة و ولدان فرحات 12 سنة، و یحي 05 سنوات، و قد تكفل أبناء الأمیر عبد القادر بعائلته إلى أن قرروا الرجوع إلى أرض الوطن سنة 1886 فكان الأمیر الهاشمي ابن الأمیر عبد القادر حاضرا لیعد لهم الوثائق اللازمة ولم یغادرهم حتى ضمن وصولهم بسلامة عن طریق تونس ثم ورقلة فالأغواط التي وصلوها بتاریخ 19 ماي 1888 .
ليست هناك تعليقات